السبت، 13 يونيو 2009

التعسير في الزواج

التعسير في الزواج
بقلم: أحمد أبورتيمة

شرع الله الزواج لسد الحاجة الفطرية للإنسان وإشباعها بطريق حلال حتى لا ينحرف نحو الفاحشة والحرام،وليؤسس لأسرة مسلمة تكون لبنة لمجتمع مسلم.لكن حال مجتمعاتنا اليوم هو أشبه ما يكون بحال بني إسرائيل الذين عسروا ما يسر الله عليهم فوضعوا في أعناقهم إصراً وأغلالاً ما أنزل الله بها من سلطان،وكان الإنسان ظلوماً جهولاً.
الأساس في الزواج أن يكون هناك ارتباط شرعي بين ذكر وأنثى،غايته الإحصان والعفاف وإنشاء أسرة مستقرة،أما غير ذلك من التفاصيل فهي ثانوية لا يؤثر وجودها أو غيابها أو التخفيف منها في الأساس شيئاً،وحين نتأمل حياة القرون الأولى من هذه الأمة نجد أن الزواج كان يتم بأيسر الطرق ،وبعيداً عن التكاليف والتكلف،وكان أحدهم يخطب المرأة ثم يبني عليها في أيام قليلة أو حتى ساعات، كما في قصة التابعي الجليل سعيد بن المسيب الذي زوج ابنته الجميلة لتلميذه الفقير بدرهمين،وليس هذا هو موضع العبرة الوحيد في القصة ولكن لنستمع إلى مقطع من الرواية على لسان التلميذ وهو يقول: انصرفت إلى منزلي فأسرجت و كنت صائما , فقدمت عشائي لأفطر - وكان خبزا وزيتا- و إذا بابي يقرع , فقلت من هذا؟ قال: سعيد ،فخرجت إليه فإذا به سعيد بن المسيب ,فقلت له: يا أبا محمد لو أرسلت إلي لأتيتك , فقال :لا أنت أحق أن تؤتى , قلت : فما تأمر ؟ قال : إنك كنت رجلا عزباً فزوجت , فكرهت أن تبيت الليلة و حدك , و هذه امرأتك , فإذا هي قائمة خلفه في طوله , ثم أخذها فدفعها في الباب و رده ,' هكذا بكل بساطة دفع إليه زوجته وانصرف،ولم نسمع عن انتظار حتى تكمل الفتاة تعليمها،ولم نر في المشهد حفلات وصالات وولائم فاخرة ومواكب فارهة.فقد كان مجتمعاً قريباً من الفطرة السليمة.
وحين نذكر هذه القصة،ومثلها كثير في تاريخنا الإسلامي،لا يعني أننا نغفل طبيعة عصرنا وما طرأ فيه من تغير في الظروف وزيادة التعقيدات والتكاليف،لكن المعنى العام الذي نستفيده من هذا التراث هو التيسير والبعد عن المغالاة ورد الأمور إلى الفطرة السليمة،وأن نخفف كثيراً من التفاصيل الثانوية والمرهقة لشبابنا .
ومعظم الناس يحفظ عن النبي عليه السلام حديثه:'أقلهن مهوراً أكثرهن بركة' لكن معظم هذا المعظم زاهد في هذه البركة التي ذكرها الحديث،ويصر على تزويج ابنته بأغلى المهور-لأن ابنة فلان ليست أحسن منها-وليت الأمور تتوقف عند المهور وكفى،لكن أضف إليها ما ابتدعوه من شبكة وحفلات وفرق، وصالة يختارها أهل العروس ،وولائم للإسراف والتبذير،وبدل للعروس واحدة ليوم الخطبة وثانية ليوم الحنة،وثالثة للزفاف،ورابعة للصباحية،وكلها بأسعار خيالية للتأجير فقط وليس للشراء،و'إن هي أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان.
أما الشقة وما بها من مشقة فقصة قائمة بذاتها، فيجب أن يفني العريس عمره ليأتي بثمنها،هذا في حال كان محظوظاً وقد نجا من شبح البطالة.
وبعد كل ذلك يشترط أن يكون مع العريس بضعة آلاف من الدولارات للنثريات والتكاليف الأخرى التي لا تندرج تحت البنود السابقة،والتي تزيد أو تنقص في تناسب طردي مع مستوى التخلف الاجتماعي.
والعجيب أن أهل العروس يتعاملون مع خاطب ابنتهم وكأنه قادم من كوكب آخر،وليس بأنه جزء من نفس المجتمع الذي يعايشون معاناته ويرون ما فيه من بطالة متفشية وتكاليف باهظة،وحين ترى مغالاتهم في المهور والتكاليف تظن أن ابنتهم ليس كمثلها شيء،وهي كغيرها من بنات جنسها ،ومن الآباء من كلفه هذا الكبر أن تعنس ابنته،بعد أن رفض كل من تقدم لخطبتها لسبب أو لآخر حتى يشبع غروره.
إن هذا التعقيد والتعسير في أمر قد يسره الله لنا هو نتيجة للثقافة الخاطئة الشائعة في مجتمعاتنا،والتي جعلت المغالاة والتبذير والإسراف من عائلة العريس دليل مكانة مرموقة في المجتمع،وجعلت تشديد أهل الفتاة على من يتقدم لخطبتها ضمانة موهومة لحفظ مكانتها بعد الزواج،رغم أن الحديث النبوي يقول:'إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه' فالضمانة هي الخلق والدين فإذا توفرا فإنه سيحفظ ابنتهم،وبعد الزواج يبدآن ببناء مستقبلهما تدريجياً ويخوضان معركة الحياة معاً بحلوها ومرها ويواجهان تحدياتها ،ذلك خير من أن ينتظر الشاب والفتاة لسنوات طويلة قبل أن يأذن لهما المجتمع بالسكن والاستقرار ،لكن الناس ابتدعوا ديناً خاصاً من العادات والتقاليد يحتكمون إليه أكثر مما يحتكمون إلى دين الله وإن صاموا وصلوا.
إن من يشق على الناس يشق على نفسه،لأنه كما تدين تدان،والجزاء من جنس العمل،فمن يعسر في تزويج ابنته اليوم سيجد غداً من يعسر على ابنه حين يتزوج 'وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون'، وهذه الطريق تصل بالمجتمع إلى الانتحار ، فكل تعسير في الحلال هو تيسير للحرام،ومن يسد في وجوه أبنائنا وبناتنا طريق العفة والإحصان فإنه يدفعهم إلى اليأس والإحباط،وربما لجأ ضعاف النفوس منهم إلى الفاحشة
تحت إلحاح نداء الفطرة،والرسول صلى الله عليه وسلم قال في تتمة الحديث سابق الذكر:'إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير'،فتحصين المجتمع وحمايته من الفتنة والفساد تكون في التخلص من هذه الثقافة العقيمة التي تحكمنا اليوم،ونشر ثقافة التيسير بين الناس، وهنا يأتي دور وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة،في تعزيز هذه الثقافة،كما يأتي دور المصلحين والدعاة من صفوة المجتمع في تقديم أسوة حسنة للناس عند تزويج بناتهم،فلا يعقل أن نقنع عامة الناس بأمر وهم يرون من يتخذونهم أسوةً في المجتمع يفعلون خلاف ذلك: 'أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون' .

والله تعالى أعلم..
abu-rtema@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق